-A +A
طلال صالح بنان
تابع العالم يوم الأحد قبل الماضي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، حيث توفرت بها عناصر الإثارة والترقب والاهتمام والفضول، انتظاراً لما تسفر عنه نتيجتها من مصير تجربة دولة ورجل دولة، حكم نظامها لمدة عقدين، حدثت خلالها نقلة نوعية، داخلية وخارجية، بما لم تحدثه تركيا في مائة عام، منذ سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية (٢٩ أكتوبر ١٩٢٣).

كان هناك شكٌ أن تنجح الديمقراطية في بلدٍ خارج منظومة حزام الديمقراطية التقليدي من جبال الأورال غرباً إلى اليابان شرقاً، حيثُ بَلد يحملُ موقعه الجغرافي تاريخياً اهتماماً إستراتيجياً وثقافياً فريداً، في علاقة الشرق والغرب. هل تنجح الديمقراطية في بلدٍ لا يختلف كثيراً عن بلدان الجنوب في تنوع خريطته السكانية، ثقافياً وعرقياً وطائفياً، وليس تعددية سياسية صَبَغَت مجتمعات الشمال الديمقراطي، بعلمانية ثقافتها السياسية لقرون.


فوجئ العالم في تلك الانتخابات بأعلى نسبة تصويت لم تحدث طوال تاريخ الممارسة الديمقراطية في مجتمعات ديمقراطيات الشمال التقليدية، بلغت ٨٨.٩٢٪. كما شهد ذلك اليوم انضباطاً في إدارة العملية الانتخابية، وإن كان ذلك ليس مستغرباً، حتى في ظل سيطرة العسكر، الذين كانوا لا يتدخلون في الانتخابات، وإن كانوا يتحكمون في مصير الحكومة.

يبقى الأمر اللافت هنا قبول الأطراف المشاركة في تلك الانتخابات بنتيجتها، رغم الاستقطاب العالي بينها.. وحدة التوتر بين الحكومة والمعارضة، الأمر الذي امتد إلى قبول العالم، الذي وصل لدرجة إعجاب وإشادة من لم يرتح لنتيجة جولتها الأولى، خاصةً في أوروبا وشمال أمريكا.

لكن تلك المعركة الانتخابية لم تُحسم، وأُعلن عن جولة انتخابية قادمة، في شقها الرئاسي (الأحد ٢٨ مايو). لقد فاز تيار الجمهور بزعامة حزب العدالة والتنمية بحوالى ٥٣٪ من مقاعد البرلمان، حاصداً أكثر من ٢٢٣ مقعداً من ٦٠٠ مقعد، نصيب حزب العدالة والتنمية وحده ٢٦٧ (٤٤.٥٪ من تلك المقاعد). إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يحسم الانتخابات الرئاسية، حيث حصل على ٤٩.٥١٪ من الأصوات، بينما حصل منافسه في المعارضة (تيار الأمة) كمال جليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري على ٤٤.٨٨٪ مِنْ الأصوات وكان الفرق بينهما ٢.٥ مليون صوت، لصالح الرئيس أردوغان.

كما كان يصعب تحديد نتيجة انتخابات الجولة الأولى، ويصعب أيضاً تحديد نتيجة الجولة الثانية. المفاجأة الحقيقية في هذه الانتخابات كان وسيظل الناخب التركي، وإن كان الكثيرون يرجحون كفة الرئيس أردوغان، يوم الأحد القادم. المؤكد أن جولة الانتخابات الرئاسية ستكون صعبة على المرشَحَين، ولا يمكن الجزم بنتيجتها لصالح أيٍ منهما، فالعملية لا تحتمل أي مجازفة بزيادة الثقة في كسبها من قبل أيٍ مِن الفريقين.

أهم نتيجة خرجت بها الجولة الأولى، خسارة المعارضة للانتخابات البرلمانية، مما أذهب بأهم وعود وتطلعات برنامج المعارضة (العودة للنظام البرلماني). في المقابل: أهم عائق أمام الرئيس أردوغان لإعادة انتخابه الملف الاقتصادي. حواضر ومدن كبرى مثل: إسطنبول وأنقرة فقدها الرئيس أردوغان في الجولة الأولى كانت في معظمها، بسبب المتغير الاقتصادي.. أما أزمير فهي تقليدياً من معاقل حزب الشعب الجمهوري.

ترى هل تُبقي المعارضة على تماسكها الهش.. وتحتفظ بكتلتها الانتخابية التي كسبتها في الجولة الأولى، خاصة في المنطقة الكردية جنوب شرقي البلاد، بعد أن حصل حزب اليسار الأخضر على مراده في جولة الانتخابات الأولى.. ولمَنْ ستذهب أصوات المرشح الثالث سنان أوغان (تيار الأجداد)، الذي حصل على ٥.١٧٪، في الجولة الأولى. كما أن أحداً لا يعرف لو أن نسبة الإقبال زادت عن تلك التي خرجت في الجولة الأولى، ولمن تكون نسبة الـ ١٠٪ من مصوتي الداخل و٤٧٪ من مصوتي الخارج، التي لم تذهب لصناديق الانتخاب في الجولة الأولى... مع الأخذ في عين الاعتبار أن الهيئة الانتخابية ستزيد ٥٠ ألفاً، ببلوغهم سن الانتخاب، يوم إجراء الجولة الثانية.

ليس أمامنا إلا الانتظار لِمَا تسفر عنه جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، يوم الأحد القادم.